اغتيال.. فشل.. تسوية؟!
اغتيال.. فشل.. تسوية؟!
البناء 25 تشرين الأول 2012
محمد شمس الدين
يجمع المحللون السياسيون على أن الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي حصدت
جوائز كل ما فعلته قوى «14 آذار» بعد اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي
اللواء وسام الحسن. تلك القوى التي حاولت استغلال الإغتيال لإحداث انقلاب يؤدي إما
الى الفراغ أو الى الفراغ، لأنه لم يكن بمقدورها ان تقدم على انتزاع السلطة لا عن طريق
الأطر الدستورية بأن تلجأ الى استشارات ملزمة وتكليف ومن ثم تشكيل، ولا عن طريق القوة
التي تفتقدها، فهي أقل ما يقال اظهرت عن تفككها وتشرذمها ومن ثم فوضويتها وعدم انضباطيتها
وكذلك تشددها وعنصريتها إضافة الى طائفيتها ومذهبيتها.
لكن حكومة ميقاتي التي لم تنطلق بعد الإغتيال بزخم أكبر كما كان متوقعاً إنما
تنتظر انقضاء عطلة عيد الأضحى التي دخلت فيها البلاد من حيث المبدأ، وتبلور المواقف
النهائية لقوى ما يسمى بالمعارضة في لبنان وتالياً اتضاح التوجه الدولي والإقليمي بعد
زيارة سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الى رئيس الجمهورية والتي
التبس على الكثيرين تفسيرها. ففي حين فسرها البعض على أنها دعم للحكومة برئاسة ميقاتي،
فسرها البعض الاخر على أنها تنصح بالحفاظ على الإستقرار بحده الأقصى وعدم الإنزلاق
الى الفوضى والإحتراب في ظل وضع قلق في المنطقة مرده يعود الى الأزمة السورية التي
أربكت انظمة المنطقة والإدارة السياسية في الولايات المتحدة وإسرائيل.
الرأي القائل بان نصيحة السفراء الخمس لا ترتبط باي شكل من الأشكال بإرادتهم
الإبقاء على الحكومة بالشكل التي هي عليه، يؤكده ما صدر عن الخارجية الأميركية من تأييدها
ومطالبتها ايضاً بتشكيل حكومة سمتها «محايدة»، وهو التوصيف الذي استخدمته قيادات
«14 آذار» لاسيما منهم الرئيس فؤاد السنيورة وتالياً رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير
جعجع، في محاولة لاستيعاب الفشل والخسارة التي منيا بها في الأيام القليلة الماضية
الى درجة «انهيار المشروع» بالكامل، ناهيك عن ما ظهر من عدم تنسيق وربما اختلاف بالنظرة
الى الأمور والذي كشفه رد الفعل على محاولة اقتحام السراي الحكومية يوم الأحد الماضي.
بعد سكوت الرصاص وانسحاب العناصر المخلة بالامن من الشوارع والساحات بدأت مرحلة
القراءة الهادئة لما جرى. تحاول قوى «14 آذار» لملمة صفوفها وخطابها السياسي وبالتالي
شارعها الذي لم تستطع ضبطه الى درجة أنها تنصلت منه ورفعت الغطاء عنه، فضاع من ضاع
وفر من فر، لكن الحكومة في هذه المرحلة لم تهتد بعد الى ضرورة أن تبدأ عملها متجاوزة
البعد المذهبي الذي يطبع عقل رئيسها، فهو ما زال اسيراً لطائفته ويخشاها على الرغم
من انكشاف نوايا شركائه فيها تجاهه بحيث لن يقروا له بإدارتهم أو حتى يعترفوا به إلا
إذا انضوى تحت لوائهم. ومع ذلك فإنه يركض باتجاههم لكنهم يركضون للإبتعاد عنه الى مسافة
طويلة. إنه قدر ميقاتي الذي عليه أن يتوجه الى ممارسة عمله كرئيس لحكومة كل اللبنانيين
بعدما أصبح المشهد أمامه واضحاً على المستوى الداخلي، في حين أنه على المستوى الإقليمي
سبق وسمع كلاماً اميركياً قبل اسبوعين تقريباً مفاده أنه عليه أن يتعامل مع واقع أن
الرئيس السوري بشار الأسد باق في موقعه، وأن النتائج المتوخاة من الحرب على سورية قد
لا تطابق «حسابات البيدر»، الأمر الذي أذهله حيث انه بنى كامل استراتيجبته على أن الدولة
في سورية ستكون في أحسن احوالها «مقسمة».
قناعات ميقاتي تلك كانت تلاقي قناعات قوى «14 آذار» بمن فيهم وليد جنبلاط، كما
لا تناقض توقعات «الفلكيين» من الساسة الخليجيين والأوروبيين ناهيك عن الأتراك الذين
شعروا بالإنهيار عقب اغتيال اللواء الحسن وهو ما عبر عنه وزير خارجيتهم احمد داوود
أوغلو الذي اعتبر أن المنطقة وليس لبنان فقط قد فقدت عنصر توازن (في لعبة الصراع) وأن
خسارته سيكون لها انعكاسات سلبية على المنطقة. وهنا استطراداً يصح السؤال كيف ان فقدان
شخص مثل الحسن له كل هذه التأثيرات؟.. وما هو الدور الذي كان يلعبه في الأزمات القائمة؟.
تقول مصادر سياسية مطلعة إن اغتيال الحسن قد يكون فتح الباب واسعاً امام فرص
حقيقية للتسوية في المنطقة انطلاقاً من الأزمة في سورية وما يستتبعها من أزمات لا سيما
على المستوى اللبناني بعد سيطرة الجيش السوري في معظم المعارك القاسية التي خاضها في
أكثر من مدينة سورية وعلى الحدود الشمالية مع تركيا والغربية مع لبنان، وبعد القضاء
على عدد كبير من المسلحين والذين يقدرون بالآلاف، وعدم قدرة التحالف الغربي - العربي
على تسجيل اي اختراق يمكن التعويل عليه في تحقيق أهدافه في سورية وتالياً لدى محورها،
ما دفعه الى إجراء تعديلات على خطته لبدء الإنكفاء.
وتشير المصادر الى ما وصفته بـ»الخطة العسكرية السورية الإستراتيجية» التي تم
تنفيذها على الحدود اللبنانية – السورية والتي تقضي بالسيطرة الكاملة عليها لأن التفريط
بها يشكل تهديداً مباشراً لمركز القرار السياسي في العاصمة دمشق، هي من الأمور التي
احبطت خطة التحالف الغربي – العربي الذي مارس ضغوطاً عسكرية هائلة ودفع بآلاف المسلحين
الى هذا الجزء من سورية وجند لذلك سياسياً كل حلفائه على الساحة اللبنانية، ولوجستياً
من خلال دعم الجماعات التي نشطت في شمال لبنان وانتقلت الى شرقه بعد فشلها هناك.
قد تكون فعلاً مرحلة ما بعد اغتيال الحسن ليست كما قبلها، لكن حتى الآن يبدو
المشهد شديد التعقيد حيث أن «الحرب» تطغى على كل المشاهد وحيث أن السباق لتسجيل الأهداف
هو العنوان الأبرز على مقربة من العديد من الإستحقاقات الداهمة.
تعليقات