الانتخابات بين المال والسلاح


الانتخابات بين المال والسلاح
البناء 4 تشرين الأول 2012
محمد شمس الدين  

إذا كانت التقديرات قد بدأت تُجمع على طول الأزمة في سورية وامتدادها لسنوات، فإنه بات حكماً على اللبنانيين أن يبحثوا في جدية إجراء انتخاباتهم النيابية منتصف العام المقبل 2013، ذلك أن معظم الدوائر السياسية في البلد كانت قد بدأت تشكك بإمكانية إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع المتأزمة في المنطقة من دون القدرة لدى أي من الأطراف على تسجيل أي اختراق على أية جبهة من الجبهات السياسية وحتى العسكرية المفتوحة، مع ملاحظة أن دبلوماسيين غربيين اعترفوا بقدرة الدولة في سورية وجيشها على الصمود أكثر من المتوقع مع تأكيدهم على عدم تمكن من أسموها بالمعارضة من تسجيل أي تقدم على الأرض بسبب خلافاتها على حد زعمهم.
لكن اللبنانيين وبعد أن دخل الى قلوبهم الشك بإمكانية إجراء انتخابات نيابية بفعل الظروف السائدة، عادوا وركزوا على ضرورة أن تجري في موعدها وعلى الأرجح في ظل أي قانون انتخاب، وذلك لعدم القدرة على التوافق في ما بينهم على قانون يرضي الجميع، فلعلها تكون مفصلاً أساسياً لإنتاج حالة سياسية أكثر انسجاماً من شأنها أن تكوّن شكلاً ومضموناً جديدين لدولة تستطيع أن تحكم وتدير شؤون الحكم والبلاد في الفترة المقبلة التي ربما ستكون أكثر حراجة من الفترة الحالية نظراً للاستحقاقات خلالها والأحداث التي من المنتظر أن تشهدها، والتي تؤجَل منذ أكثر من عشر سنوات وفي مقدمتها ما يحكى عن توجيه ضربة عسكرية لإيران ستشكل العمود الفقري لإعادة الاعتبار للسياسة الأميركية في المنطقة بعدما شلت حركتها تدريجاً بسبب الإخفاقات التي منيت بها منذ عام 2000 تاريخ دحر الاحتلال «الإسرائيلي» عن لبنان، وسقوطها في مستنقع العراق الذي ما زال يطوقها على الرغم من انسحابها عسكرياً منه العام الماضي.
ما يدور في الكواليس اللبنانية حول الانتخابات يفيد أن معظم الأطراف والتيارات السياسية بدأت الاستعداد لها مجبرة على ذلك، ولو أن بعضاً من الآراء التي تشارك في صياغة توجهاتها السياسية ما زالت غير مقتنعة بأن الظروف قد تكون ملائمة لتنظيم انتخابات في لبنان. إلا أن اصحاب هذا الرأي يقولون إنه لا مجال للمغامرة بذلك والاصطدام بواقع لا يمكن تجاوزه بسهولة، ما يدفع إلى التوجه الى تأمين كل مستلزمات العملية الانتخابية التي تتفاوت بين طرف وآخر.
يقول أحد المسؤولين عن ملف الانتخابات في أحد الأحزاب النافذة إن القرار بخوض الانتخابات قد اتخذ بغض النظر عن القانون الذي سيعتمد ومهما كانت النتائج المتوقعة لذلك، في حين أنه أقر بأن قرار الانتخابات في لبنان يبقى مرتبطاً بالمحيط الإقليمي ويتأثر فيه بشكل كامل علماً أن الدول التي صرفت على الانتخابات الماضية وتحديداً المملكة العربية السعودية لم تصرف حتى الآن الأموال التي يحتاجها فريقها لخوض المعركة.
ويضيف المسؤول الحزبي ان توقعات حزبه تشير الى أن المبالغ التي ستصرف على الانتخابات في الدورة المقبلة ستفوق تلك التي صرفت في الدورة الماضية وستتخطى المليار ونصف المليار دولار في حين جرى الحديث في انتخابات الـ 2009 عن صرف 750 مليون دولار.
ويؤكد أن حزبه أو حلفاءه لا يستطيعون تأمين مثل هذا المبلغ أو مجاراته لتحقيق التوازن في الإنفاق المالي على الانتخابات الذي لا يراعي لا القانون المعمول به ولا أي قانون ممكن أن يصدر في هذا الصدد، لكنه يقول إن سياسة إدارة الانتخابات التي ستعتمد ستركز على إقامة التحالفات وإزالة الخلافات في صفوف حلفائه، وأن العمل قد بدأ فعلا على ذلك وأن الأجواء لا بد وأن تكون إيجابية انطلاقاً من تفهم الجميع للظروف الدقيقة التي تعيشها البلد وتالياً المنطقة.
ويرى المسؤول أن نتائج الانتخابات المقبلة فضلاً عن معركتها ستحدد هذه المرة بالفعل أفق الوضع السياسي والأمني في البلد، كما أنها ستكون مفصلية في ملفات عديدة في المنطقة، لا سيما سورية التي ستتم محاربتها أيضاً وبشكل رئيسي من لبنان الذي لم يتوافق مع ما يريدونه منه في ظل تركيبة الحكم والسلطة فيه حالياً. في حين أن الارتباط بين الوضعين في كل من سورية ولبنان وثيق الى درجة يصح معها القول إن البلد موجود على «خط الحروب» المخطط تنفيذها في المنطقة لمصلحة «إسرائيل» التي تريد تحقيق أهدافها من خلال تقويض القوة الموجودة في هذين البلدين، فما الانتقال الى شن الحرب على سورية إلا ما تنص عليه (الخطة ب) في المشروع «الإسرائيلي» – الغربي- العربي على محور «الممانعة»، بينما ستكون كل الاحتمالات مفتوحة في ظل فشل خططهم هذه في سورية، ما يعني أن الحرب ستنتقل الى ساحة أخرى وهكذا دواليك الى حين تحقيق غلبة ما لطرف من الأطراف المتصارعة.
الانتخابات اللبنانية ستكون جزءاً أساسياً من هذه الحرب التي سيخوضها البعض بالمال والآخر بالسياسة وربما بقوة الأمر الواقع التي باتت مشروعة في أية انتخابات جرى فيها تبديل الأولويات وإطاحة ابسط القوانين.
قوة المال واستخدامه ليسا أقل أبداً من قوة السلاح الذي يرفع شعاره على المنابر الدولية والإقليمية والمحلية بهدف إزالته من المعادلة، في حين يسمح للمال السياسي بتخريب البلاد وبيع العباد في سوق التنافس على السلطة وإهمال قضايا الإنسان وحقوقه المشروعة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار