سوريا: انتخابات إعادة التموضع
سوريا: انتخابات إعادة التموضع
البناء 10 ايار 2012
محمد شمس الدين
لا أحد يريد ان يصدق أن سورية دخلت "نفق" الخروج من الأزمة التي تتخبط
فيها منذ نحو عام، ذلك أن محطات أساسية وضعتها القيادة السورية لولوج ذلك النفق، عنوانها
الرئيسي هو الإصلاح وهو ما بدأه الرئيس السوري، فيما كان بأمس الحاجة اليه لنقل سورية
من زمن الى زمن، فبشار الأسد وهو الرجل الآتي من خلفية علمية مدنية لا يستطيع الإستمرار
في القيام بمسؤولياته بعيداً عن هذا النهج، وذلك ما أرساه فعلا خلال العام المنصرم،
ولو أنه أتى في ظروف لم يكن الرجل ليريدها حتى ينفِّذ ما نفَّذه حتى الآن.
لم تكن الانتخابات التي جرت الإثنين الماضي امراً عادياً بالنسبة الى السوريين،
فهم لأول مرة يخوضونها في إطار قانون أحزاب يعتمد التعددية الحزبية. وقد شارك فيها
العديد من المكونات السياسية من المؤيدين للقيادة في سورية ومن معارضيها ايضاً، لكن
ما رشح من النسب حتى الآن يفيد أن نسبة المؤيدين ما زالت تفوق نسبة المعارضين، في حين
أن الترجيحات تقول إن الشرائح المعارضة ستتمثل بالبرلمان المقبل ولو بعدد قليل من النواب،
وهو ما استطاعت تلك الشرائح تحصيله وسط مقاطعة أرادها البعض حرمت فريقه من حصد المزيد
من المقاعد بعيداً من لغة السلاح وسفك الدماء.
إلا أن الانتخابات التي تعتبرها القيادة في سورية حجر الزاوية في إطلاق حوار
سياسي بين مختلف الأطراف وصولا الى عقد اجتماعي وسياسي جديد يؤسس للمرحلة المقبلة،
لا يبدو أن الدول التي اعلنت الحرب على سورية عبر المواقف وفي المحافل الدولية من جهة،
وعبر استخدام الجماعات المسلحة من السوريين أنفسهم وقوداً لمشاريعها من جهة ثانية،
راضية عن سلوك هذا المسلك، إذ انها نصبت نفسها وصية على سورية من دون تحفظ تحت راية
الدفاع عن حقوق السوريين في مزايدة لم يشهد لها التاريخ الحديث على الأقل مثيلا، وهي
تعبر ايضاً عن عهر وحقد كبيرين، في حين لم تأبه القيادة في سورية الى هذا الأمر بل
تابعت مسيرتها من دون النظر الى الوراء، وهي تسير بخطوات واثقة باتجاه تحقيق أهدافها
في موقف مناقض بشكل كامل للمواقف المعلنة من الحلف الغربي - العربي الذي يقاتل سورية
في الداخل والخارج، ما يشير الى أن الدفع باتجاه إطالة الأزمة والإبقاء على النار مشتعلة
ما زالا سيدي الموقف.
وتقول مصادر سياسية إن الانتخابات التي اتت عقب حزمة الإصلاحات وفي طليعتها
تعديل الدستور والاستفتاء الذي جرى عليه، تأمل سورية من خلالها إحداث تغييرات جذرية
في بنية الدولة ما سينعكس حكماً على معظم فئات الشعب السوري. إلا ان ذلك لن يحيد سورية
عن مواقفها المبدئية التي تشكل عمق الأزمة بينها وبين الدول التي تقاتلها. كما انها
لن تغير في صيغة تحالفاتها القائمة في المنطقة لا باتجاه إيران ولا بإتجاه حزب الله،
مشيرة الى أن هذه التحالفات هي من ثوابت السياسة السورية، علماً أن الحراك السياسي
الدولي الذي قادته كل من روسيا والصين اعطى مزيداً من الصلابة للموقف السوري حيال كل
القضايا المطروحة التي تتمسك بها دمشق وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
ترى المصادر أن الموقفين الروسي والصيني لا ينطلقان فقط من مجموعة المصالح التي
تجمعهما مع سورية، وإنما من منطلق مبادئ سياسية اساسية تقوم على حفظ التوازن الدولي
في المنطقة التي تم غزوها مرات عدة خلال العقود الثلاثة الماضية لا سيما بعد سقوط الاتحاد
السوفياتي والبدايات الواهنة لروسيا الاتحادية. إلا أن الأمور بدأت تنضج بعد سلسلة
الهزائم التي مني بها المشروع الأميركي – «الإسرائيلي» والذي انضم اليه في ما بعد العنصر
العربي بعدما تم تحفيزه مذهبياً بمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة. وتلفت المصادر
في هذا السياق الى أن الموقف الروسي تجاه الأزمة في سورية سيكون أكثر تشدداً بعد اتمام
التغييرات التي جرت فيها على مستوى السلطة السياسية وإمساك فلاديمير بوتين بزمام الرئاسة
مرة جديدة في ظل نظام علاقات متشابك جداً بين الشرق والغرب وموقع الدول العربية فيه،
ناهيك عما تمثله الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ثقل في ترجيح كفة النفوذ في العالم
في ظل صراع يتجاوز حكماً اقتسام مناطق الثروة الى البعد الايديولوجي الواضح في أفقه.
لن تكون الانتخابات السورية عابرة كما يحاول البعض أن يروِّج، ذلك أن لهؤلاء
تاثيراً محدوداً جداً أثبتته الأحداث والوقائع، خاصة إذا ما اكملت الحكومة والقيادة
في سورية خطتهما لإحكام السيطرة على البؤر الفالتة والتي تستقوي بالدعم العربي قبل
الغربي الذي لا يستطيع الاستمرار طويلأ في لعبة الضغط مخافة انعكاساتها السلبية عليه،
في حين أن المصادر نفسها تقول إن سورية ما زالت محتفظة بأوراقها ومنها الورقة الأمنية
التي لم تحركها حتى الآن، علماً أن ذلك بات من حقها بعدما تأكدت من نية وافعال أعدائها
من العرب، مؤكدة انها قادرة على تصدير البضاعة عينها التي تصدّر اليها ولكنها ترى انه
لم يحن وقتها بعد لأنها واثقة من النتائج التي ستعيد التموضع وتشكيل القوة.
تعليقات