حوادث طرابلس.. الدولية؟!


حوادث طرابلس.. الدولية؟!
 البناء 14 أيار 2012
محمد شمس الدين  

ليس بعيداً عما يحصل في طرابلس في شمال لبنان من إشكالات أمنية كان آخرها اندلاع الاشتباكات من "طرف واحد" بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن على خلفية توقيف الأمن العام اللبناني للسلفي شادي مولوي لارتباطه بتنظيم إرهابي على ما قال الجهاز الرسمي، فإن ما يدور في كواليس الأقبية السياسية في السفارات الغربية لا سيما الأميركية منها يرصد بدقة تلك الإشكالات على انها جزء من سيناريوهات مرسومة أوحى بها موفدا الولايات المتحدة الأميركية الى لبنان الأسبوع الماضي جيفري فيلتمان والسيناتور جو لبرمان اللذين شددا على ضرورة تفعيل إجراءات الدولة اللبنانية ممثلة بالجيش بعد زيارة الأخير "الجريئة" الى وادي خالد في ما يخدم ما اطلقوا عليه اسم "حماية اللاجئين السوريين" الهاربين بمنطقهم من الأوضاع الأمنية في بلادهم، فيما منطق أخصامهم يقول انهم مسلحون مقاتلون قتلة في سورية.

لا يمكن الفصل بين تطور الأوضاع في سورية وما يحصل في شمال لبنان ذلك أن المنطقة رصدت لتكون الملاذ الآمن وقاعدة إنطلاق دائمة للطعن في خاصرة الدولة في سورية، خاصة إذا ما استطاعت القيادة هناك أن تستثمر ما أنجزته حتى الآن من إصلاحات وآخرها إجراء الانتخابات التي بات معلوماً بحسب النتائج المسرّبة عنها أنها ستعيد انتاج الحكم وفق دستور وبرلمان وحكومة جدداً لإطلاق ورشة عمل كاملة قاعدتها الحوار الوطني لإرساء أسس الدولة الجديدة.

ما تحضّر سورية نفسها له لا يتناسب مع متطلبات السياسة الأميركية في المنطقة على أبواب انتخابات حامية الوطيس ستخوضها الإدارة في واشنطن، في حين أن هذه الاخيرة ليست متمكنة من انجاز أو ترتيب الملفات الإقليمية والدولية عمدت الى تحويل الرأي العام الأميركي باتجاه قضية داخلية تمس القيم والأخلاق العامة، وهي قضية زواج المثليين، فيما يتم تسريب معلومات حول رفع وتيرة الاتصال الأميركي – الإيراني مع الإيحاء بأنه شبه إطلاق لمفاوضات تحت الطاولة، ترافقت التسريبات مع تصريحات أميركية تولاها وزير الدفاع ليون بانيتا بعد تفجيري دمشق يوم الجمعة الماضي حول وجود مؤكد لتنظيم "القاعدة" في سورية، والتي تشير الوقائع فيها الى أنها باتت مستعدة لاستكمال عملياتها الأمنية والعسكرية في مواجهة المسلحين المدعومين من الخارج القريب والبعيد، ولو أن تلك المواجهة ستطول، إلا أن دمشق ستخوضها على أسس ثابتة دستورياً وقانونياً بعد تشكيل حكومتها الجديدة كنتيجة طبيعية للانتخابات الأخيرة.

يحاول الأميركيون والحالة هذه الإمساك بكل الأوراق دفعة واحدة، أو على الاقل جعل كل ورقة مدخل الى الاخرى بحيث يتشكل وضع كامل للمفاوضة عليه باعتبار انهم يمسكون بالمبدأ بجزء من كل ورقة منفردة ما يضعف موقفهم على اية طاولة من الممكن الجلوس اليها. فمن الملف النووي الإيراني الذي لم يحسم الخيار باتجاهه حرباً أوسلماً بالرغم مما أوحى به «الإسرائيليون» عقب ائتلاف "صقريهما"، فيما الجمهورية الإسلامية لا تنتظر أن تمنح شيئاً لأن فاقد الشيء لا يعطيه، الى الورقة العراقية التي باتت خفيفة جداً في موازين الثقل الأميركي بعد الانسحاب نهاية العام 2011، الى التخبط في آسيا الوسطى حيث المعاناة مع باكستان وأفغانستان ناهيك عما تشكله عودة الروس والصينيين الى حلبة الصراع الدولية من بابها الواسع المرتكز على قدرات اقتصادية هائلة ونظرة الى فرض توازنات جديدة في العالم والمنطقة،كل هذا يضعف الجانب الأميركي بشكل كبير، فلم يبق سوى اللجوء الى اصغر بلدان المنطقة ـ لبنان في محاولة لبسط النفوذ من خلال جماعات متعطشة للفوضى وفق معايير مذهبية ترى فيها الولايات المتحدة ثغرة يمكن النفاذ منها لإعادة التموضع في كثير من الملفات حتى الكبرى منها.

هذا ما كلفت به السفارة الأميركية في بيروت التي دأبت المكلفة بأعمالها مورا كونللي على التحذير من تأثيرات الأوضاع في سورية عليها في لبنان، وهو الكلام الذي يراد به باطل في ظل الدعم المطلق الذي تؤمنه السفارة لجماعات تريد تقويض الدولة في لبنان كما في سورية، وكان آخر هذا الدعم هو شحنات الاسلحة التي ضبطت في المرافئ اللبنانية وكانت ستستفيد منها أحزاب حليفة لتلك السفارة في حين انها كانت ستكون بيد حلفائهم من المسلحين في إطار الهدف المشترك وهو اسقاط الدولة في سورية.

حوادث طرابلس الأخيرة لم تخرج عن هذا السياق الذي يخدم أهداف الولايات المتحدة وحلفائها من العرب في قطر والسعودية والذي بات يركِّز (السياق) على ضرورة إسقاط الدولة والحكومة في لبنان - ولو أن لهم فيها حصة وازنة - بموازاة هدف إسقاطهما في سورية، إذ أن الذهاب الى افتعال أعمال مسلحة اعتراضاً على تصرف قام به جهاز أمني رسمي لا يمكن تفسيره إلا على اساس أنه يستهدف استقرار الدولة ومؤسساتها في لبنان وليس فقط استقرار الأوضاع الأمنية فيه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار