سورية.. مرحلة بين مرحلتين


سورية.. مرحلة بين مرحلتين
البناء 29 آذار 2012
محمد شمس الدين  

 لم يكن الحسم الذي انتهجته الحكومة السورية في التعامل مع المجموعات المسلحة سوى مرحلة استطاعت فيها و خلال شهر ونيف أن تضع حداً للعنف بالعنف، بعدما استنفدت "لغة الكلام"، إن عبر خطوات الإصلاح الذي تنفذه تدريجاً وفق ما تسمح به الظروف الداخلية في ظل حرب ضروس، أم عبر العمل السياسي والدولي المنسق مع روسيا والصين في مواجهة الحرب الدولية في جميع اروقة المنظمات الدولية، ناهيك عن الحكومات التي سخَّرت كل جهودها وعلاقاتها الدولية من اجل تحقيق اهداف لم تعد خافية على احد لا سيما بعد المجاهرة بها. لكن بعد سنة ونيف من الحرب على سورية تم التأكد انها ليست بالامر السهل، على الاقل من دون فواتير بالغة الكلفة قد تستحق، ويبدو أن لا احد في العالم قادر على دفعها.
الحكومة والقيادة في سورية ومعهما حلفاؤهما في العالم لا سيما روسيا والصين يعلمون هذه الحقيقة وهم عملوا على اساسها مراعين مصالحهما بالحد الأقصى، إلا أن الانتهاء في سورية من المرحلة الأولى اي الإمساك بزمام الأمور على الأرض، عبر السيطرة على مدن رئيسية كحمص وإدلب بما تعنيهما وعنتهما في مقاييس من قاد حربهما لإسقاط الدولة بشتى الوسائل المادية والمعنوية، لا يعني ـ الانتهاء ـ أن البلاد وحكومتها قد خرجتا من الازمة بل من قسم منها.
الاداء الدولي تجاه سورية قد انعطف بعد سقوط بابا عمرو في حمص بأيدي الجيش السوري وإعلان المنشقين عن انسحابهم التكتيكي وما ظهر من انشقاقات متزايدة في صفوف ما يسمى بالمعارضات في الخارج، ما يؤشر على أن مرحلة جديدة قد بدأت عبر مستويين:
الأول: محاولة تطبيق فرض عقوبات اقتصادية على سورية سُخِّرت أجهزة الاستخبارات الدولية لاستكشاف أمكانية تحقيقها، وقد اندرجت زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (الاستخبارات المالية) ديفيد كوهين الى بيروت في إطارها، إضافة الى التحرك الأممي – العربي من خلال اختراع مهمة للمبعوث كوفي أنان عنوانها إنساني ومضمونها أمني- عسكري هدفه رفع الضغط عن الجماعات المسلحة والبحث عن طرق لمساعدتها وتقديم العون المادي والتقني لها وسط دعوات عربية – دولية لتسليحها.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية أنها اطلعت على معلومات مفادها أن كل العناوين الإنسانية التي يحاول العالم تحميلها لأنان تنطوي على مضمون أمني، وهو ما تحدث عنه السفير الفرنسي في بيروت مع أصدقاء يبدو انهم لا يعرفون أن "المجالس بالأمانات" على حد تعبير المصدر الذي حرص على القول إن القيادة السورية تتعامل منذ اللحظة الأولى مع مهمة انان على أنها كذلك، لأنها قرأت في الجو السياسي الدولي والتصريحات والتحركات التي واكبت تكليفه على أنه لا يخرج عن سياق المناورات لرفع الضغط عن المسلحين، متسائلة عن مهمة أنان، في ظل عملية التسييس التي بدأت تصبغ العناوين السياسية التي حملتها.
الثاني: يتلخص هذا المستوى بالعنصر الأمني حيث أن البلاد قد شهدت تصاعد هذا النوع من الحروب الذي عادة ما يتم اللجوء اليه عندما تفشل كل الوسائل، إذ تصاعدت حدة التفجيرات وعمليات التخريب التي تطال المنشآت العامة، لكن ذلك لم يشكل قلقاً للحكومة، في وقت هي مستمرة في محاولة السيطرة، لا بل أن مصادرها تقول إنها تتوقع استمرار هذا النوع من الأفعال التي تعبر عن خسارة شنيعة يشعر بها من يحرك الجماعات المسلحة باتجاه تنفيذ مثل تلك التفجيرات، مشيرة الى أنه لم يصدر أمر عمليات عن الجهات والدول التي تقود من الخارج بوقف العنف والقتال، مثلما أصدرت تصريحات تطالب الحكومة بالتفرج على عناصر قواتها العسكرية والأمنية وهم يقتلون على أيدي الجماعات التي تحمل السلاح وتعتدي على الأعراض وتفتعل المذابح. لقد كان من الأولى أن تتوقف تلك الجماعات عن إطلاق النار حتى يتوقف الرد عليها.
وتعتبر الحكومة السورية أن الدخول في الحرب الأمنية بات حتمياً وان أجهزتها استعدت لخوضها، وهي ماضية في تفعيل دورها على هذا الصعيد، إضافة الى انها اعادت إحياء اتصالاتها وعلاقاتها مع العديد من الاجهزة الأمنية الصديقة والحليفة، لتفادي الوقوع في ما تخطط له دول أخرى مستغلة تيارات سياسية وحزبية متطرفة قررت توظيفها في معركتها المفتوحة على أكثر من جبهة في صراع المحاور الإقليمية الذي ترسخ بعد فشل الحرب «الإسرائيلية» - الدولية على لبنان في العام 2006، وهو تبلور (صراع المحاور) ليصبح دولياً بعد انضمام روسيا اليه بعد الحرب العربية - «الاسرائيلية» - الدولية على سورية واستفحال أزمتها، وربطاً بكل الحراك الذي نشأ عقب لحظة حَرْق محمد البوعزيزي نفسه في تونس في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010.
هذه المرحلة بين مرحلتين، بحسب المصادر السياسية، هي الأصعب وربما الأخطر وسط إصرار دولي على متابعة المعركة ضد سورية، حيث بدأ التركيز على استهداف عائلة الرئيس السوري في محاولة لعزلها وإظهار الحرب على أنها ضد شخص الرئيس، وبذلك استعادة لسيناريوهات اعتمدها المجتمع الدولي مع أكثر من طرف ووجهة كما في لبنان فهو حصرها في حزب الله، وفي غزة سلط الضوء على قيادة حماس، في حين ركز في إيران على سلطة من أسماهم بـ"الملالي". وهو يحاول في سورية، كما في المواقع المذكورة، سلخ الناس وفصل الامتداد الشعبي عن قيادته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار