"انقلاب" حمد.. وحرب الأنظمة!


"انقلاب" حمد.. وحرب الأنظمة!
البناء 15 آذار 2012
محمد شمس الدين  

"الانقلاب" الذي أعلنه رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني على كلامه والتزامه بما تم الاتفاق عليه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع الأخير مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأسبوع الماضي، هو مصداق للقول العامي المأثور إن "الجمل بنيّة والجمال بنيّة أخرى".
استغراب لافروف لدعوة الوزير القطري الأول حول ضرورة التدخل الأجنبي في سورية يؤكد أن الجانبين لم يكونا على توافق تام حول الخطوات اللازمة لحل الأزمة في سورية، لا سيما بالشكل الذي تسعى اليه روسيا.  في المقابل، إن موقف قطر ومعها السعودية، بمعزل عن رأي حلفائهما من الدول الغربية ينحو نحو التصعيد المباشر ولو أدى ذلك الى انفلات الأمور من عقالها على المستويين السوري الداخلي والإقليمي بصورة أوسع، في مسعى واضح الى تسعير الاقتتال وسفك المزيد من الدماء وذلك عبر رفع الصوت بضرورة دعم "الجماعات المسلحة" في الداخل وتفعيل دور ما يسمى بـ(الجيش السوري الحر) تحت ستار واسم "المعارضة" التي عبرت عن عدم موافقتها على ما تسعى اليه الدولتان الخليجيتان وعبرت عن ذلك بالمشاركة بالاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد وبانخراطها في العملية السياسية بالرغم من كل الملاحظات التي أبدتها.
وفي هذا السياق تقول مصادر على اتصال بالمعارضة السورية من "جماعة" الخارج، إن معظم تشكيلاتها لا توافق على ما تحاول السعودية وقطر طرحه من خيارات، الأمر الذي يساهم في حدوث انشقاقات في داخلها، مشيرة الى أن التمسك بالخيارات القطرية – السعودية ينحصر ببعض من اتخذ مواقف حادة الى درجة اعلانه استعداده التحالف مع "الشيطان" شرط وصوله الى مبتغاه في اسقاط القيادة والحكومة في سورية.
وترى المصادر نفسها أن هذا السلوك هو الذي يحكم آلية عمل الدولتين الخليجيتين اللتين تقودان حرباً دولية على الرئيس السوري وحكومته، لأن في حساباتهما أن استمرار الأسد في موقعه ستكون له انعكاسات خطيرة على دولتيهما، و أنه في عمق تفكير هؤلاء انكشفت الأمور الى درجة لم يعد بالإمكان معها ملاقاتهم في منتصف أي طريق يمكن أن يسلكوه باتجاه القيادة والحكومة في سورية.
الدفع باتجاه التأزيم الذي تتبناه كل من السعودية وقطر، تُبذل في سبيله المليارات من الدولارات، إضافة الى الاستعداد لإراقة المزيد من الدماء ليس في سورية وحسب، إنما في لبنان أيضاً، وفي أي مكان تقتضيه الأهداف التي تسعيان وراءها، فالساحة اللبنانية مثلا بدأت تغوص شيئاً فشيئاً في وحول تأثيرات الأزمة في سورية عبر زجها في معركتها، وذلك بجعلها ساحة عمليات خلفية ودعم لوجستي للجماعات المسلحة التي يعمل على مدها بالسلاح أفراد وجماعات يقومون بشرائه من لبنان وبأموال خليجية لإرساله الى أماكن التوتر داخل الأراضي السورية أو الى أي مكان هناك من أجل إحداث المجازر والفتن.
ما تشهده الأراضي اللبنانية من بيع وشراء للسلاح لم تشهده في تاريخها حتى في الأيام الصعبة التي مر فيها هذا البلد في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وحين كان يشهد حرباً أهلية، في حين أن الفلتان الأمني الذي يسوده في أكثر من منطقة بدأ يطفو على السطح يومياً من خلال عمليات الخطف بهدف الحصول على فدى، الى ما يعلن عن ضبط في مجال تجارة الأسلحة وتلك المعدة للتهريب الى سورية، أو ما أعلن عنه الجيش اللبناني من اكتشافه اختراقات سلفية في صفوفه، أو ما أشير اليه في وسائل الإعلام عن عناصر قَطَرية مسلحة تم القاء القبض عليها في منطقة البقاع شرق لبنان، ناهيك عن المس بالأمن الغذائي الذي يؤشر الى حالة استكانة الدولة وأجهزتها عن متابعة قضايا رئيسية تهم الناس مباشرة.
وفي هذاالسياق، فإنه لا يبدو أن مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان تسير بخطى ثابتة في ظل المواقف السلبية للسعودية وقطر اللتين تجاوزتا المطالبة ببذل الجهود الإنسانية ووقف القتال في سورية، وانبرتا الى تطوير الموقف باتجاه الطلب المباشر بتدخل عسكري دولي وأجنبي هناك، في مسعى يدل على يأسهما من امكانية حوارهما مستقبلا مع سورية وخوفاً مما قد ينجم عن رد الفعل السوري على سلوكهما، خاصة وأن سورية لم تلعب حتى الآن أية ورقة من أوراقها الرابحة في أي مكان من العالم، وهي تركت الأمور تسير بهدوء من خلال ما تقوم به روسيا والصين بعد قراءة دقيقة للتوازنات الدولية التي قد تنجم عن أي تغيير في شكل الحكم في سورية إذ إن ذلك وحده كفيل بإنشاء خط دفاع صلب عن الدولة في صيغتها الحالية والمطورة من خلال الإصلاحات الجاري تنفيذها.
لا شك أن رفض الرئيس السوري لاعتبار أنان مبعوثاً من قبل الجامعة العربية يحمل الكثير من الرسائل الخاصة للجامعة وصقورها في هذه المرحلة بالذات، لا سيما قطر والسعودية، مفادها بالدرجة الأولى ان الجامعة سقطت كمؤسسة وأنه لا بد من النظر الى كل الأمور انطلاقاً من هذه الزاوية، التي تعني أن حرباً من نوع آخر ستنشب بين الأنظمة  العربية في إطار صراع المحاور بين الممانعين و«المعتدلين» والذي تستخدم فيه كل أنواع الأسلحة "التاريخية": السرية والعلنية.. البارد منها والساخن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار