..وضعية القتال؟!
قرارات "التصعيد" العربية
..وضعية القتال؟!
البناء 14 تشرين الثاني 2011
محمد شمس الدين
نجحت سورية في كشف مخطط الجامعة العربية ونواياها تجاه الأزمة فيها عندما قررت التجاوب مع المبادرة التي أطلقتها اللجنة الوزارية العربية والتي تتضمن ما سمي خطة عمل لحل الأزمة السورية. لكن الجامعة ومن يقف وراءها سرعان ما انسحبت من مبادرتها متخذة وضعية القتال هذه المرة بعدما رأت أنه تم تلقف مبادرتها وافشال خططها الرامية للضغط وتمكين المعارضة من التموضع في مواجهة السلطة في سورية، أولا من خلال الاعتراف بها وثانيا من خلال تنظيم صفوفها بما يخدم الانقلاب على الحكومة السورية ونظامها وبالتالي توجيه ضربة قاسمة للرئيس بشار الأسد.
ما أقدمت عليه الجامعة العربية من تصعيد للموقف حيال سورية من دون النظر الى الخطوات الملموسة التي اتخذتها دمشق تطبيقا لخطة العمل، يعني أن القرار الدولي بشن حرب على المنطقة من خلال البوابة السورية قد اتخذ، ولكن هذه المرة بمشاركة عربية واسعة. وما الإعلان القطري عن البنود الستة إلا مقدمة لنقل الملف السوري بشكل رسمي وبتفويض عربي واضح الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن تمهيدا لقرار العدوان على سورية وشعبها وتدميرها كما حصل في ليبيا، وقد تجاوزت بذلك الجامعة العربية كل التحذيرات الصادرة من المنطقة بضرورة النظر الى الأزمة في سورية بطريقة مختلفة عن تلك التي حصلت في مصر وتونس وليبيا وحتى حيال ما يحصل في اليمن، في دعوة إلى تجنب المواجهة الكبرى من خلال النظر الى التركيبة الحاصلة في هذه البقعة الجغرافية من العالم وأخذ تلاوينها بعين الاعتبار وأن لا نجعل "إسرائيل" تقودنا الى حرب تدميرية لا يمكن باي شكل من الأشكال أن نتجنب تداعياتها المدمرة. تقول جهات سياسية معنية أن مرحلة الضغوط لن تنجح في ظل سيطرة كاملة للحكومة السورية على الموقف، في حين أن الدفع باتجاه جعل هذه الدولة تعترف بمعارضة هدامة لن ينجح أيضاً، لأن سورية لها مقاربتها الخاصة تجاه مكونات المعارضة البناءة والتي لم تتورط في إسالة دماء الشعب السوري خدمة لـ"إسرائيل" وحلفائها من الغرب والعرب، ولا يمكن أن تقبل بفرض الجامعة العربية لعصابات دعمتها وسلحتها ـ الجامعة ـ ودفعت بها الى المجهول وتحاول تقديمها كمعارضة في إطار مجلس انتقالي، يعرف بعض دول الجامعة وتحديدا قطر أنها ستتلاشى في حال تخلت عنها في هذه المرحلة بعدما ورطتها في هذا المستوى من الفوضى.
تشير الجهات السياسية الى أن البنود العربية الستة ركزت على أمرين اساسيين وهما توحيد صفوف العصابات المسلحة مع مكونات معارضة في إطار واحد هو المجلس الانتقالي، ودعمه عربياً ودولياً، وفرضه كجهة تعترف بها الحكومة السورية، والثاني هو تحريض الجيش على الانقسام والانشقاق وفتح الباب له، وإعلان تغطية المنشقين وحمايتهم وتوفير كل مستلزمات دعمهم لإكمال مهمة تخريب بلادهم قبل ان تصل الأمور الى حدود التدخل الدولي الذي لن يحقق أي نتائج، بعد ان يكون ادخل المنطقة وربما العالم في اتون حرب لن تنتهي. وفي هذا السياق تلفت الجهات السياسية الى أن حروبا عالمية قامت، كانت شرارتها اتفه الأسباب، فالجميع يعرف قصة "الأرشيدوق فرانز فرديناد" سليل عائلة "هابسبروغ" الفاحشة الثراء في النمسا وهنغاريا، عندما قرر بصفته العسكرية ومنصبه كمفتش عام للجيش النمساوي والهنغاري المشترك، القيام بجولة تفتيشية على الجيش في البوسنة سنة 1914 بصحبة زوجته. كانت مقاطعة البوسنة وشقيقتها مقاطعة "هيرسوجوفيا"، أحدث الممتلكات التي استحوذ عليها "ال هابسبورغ" نتيجة ضعف الدولة العثمانية. ففي 28 من حزيران، سار موكب الأرشيدوق وبجانبه زوجته، عبر الشارع الرئيسي في سراييفو، وبعد أن نجا من محاولة إلقاء قنبلة يدوية عليه، تمكن آخر من إصابته وزوجته فمات الاثنان وبهذا الاغتيال انطلقت شرارة الحرب العالمية الثانية.وتلفت الجهات السياسية الى أنه ليس من المستبعد أن يتكرر سيناريو الحروب العالمية، إذ إن الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم تجعل مما يحصل في منطقة الشرق الأوسط أرضا خصبة لاندلاع حرب عالمية جديدة بخاصة وأن القوتين اللتين تتصارعان تملكان من الإمكانيات والتحالفات ما يمكّنهما من خوض مواجهة مدمرة.
وتقول تلك الجهات إن التدخل العسكري الغربي في سورية بدأ يلوح في الأفق، لأن الذراع التنفيذية للبنود العربية الستة لا يمكن أن تكون قوات درع الجزيرة التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي، فسورية ليست البحرين، ومن المؤكد أن ما صيغ في الجامعة في الأمس متفق عليه مسبقا مع الدول الرئيسية في أوروبا ناهيك عن الولايات المتحدة و"إسرائيل". وفي هذا السياق، فإن الحملة المسعورة التي شنت في الآونة الأخيرة ضد إيران والتي أعقبت انكشاف مخطط "إسرائيلي" لضربها تندرج في هذا الإطار، إذ ان المعلومات التي توفرت اشارت الى أن ترتيب الأحداث منذ بدء "الفورات" العربية كان من المفترض أن يفضي الى إنهاء السيطرة على سورية التي اعطيت زمنيا فترة ستة أشهر تنتهي بانتهاء شهر تشرين الأول من العام الجاري، بعدما وجد المخططون أن اكبر الأنظمة العربية في مصر لم يستغرق أكثر من 18 يوما لإسقاطه، في حين يقضي المخطط بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تشنها الولايات المتحدة من العراق وقواعدها في الخليج وتتولى "إسرائيل" مهمة ضرب حزب الله في لبنان.. ولكن هذه المرة بنتائج "مضمونة" بعد إسقاط النظام في سورية. حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر، إذ لم ينجح مخطط إسقاط سورية في الوقت المناسب ليمكّن "إسرائيل" والولايات المتحدة من إنجاز مهماتهما قبل استحقاق موعد الانسحاب الأميركي من العراق والذي كان القشة التي قسمت ظهر البعير بعدما قرر "الممانعون" طردها من المنطقة بقرار عراقي "بسيط" يقضي بعدم التجديد لقواتها.
تعليقات