"إسرائيل" بين الجولان والبحر
"إسرائيل" بين الجولان والبحر
الفزع من الرد
البناء 6 آذار
2014
محمد شمس الدين
حادثتان «إسرائيليتان» في يوم واحد. الأولى في الجولان المحتل، والثانية في
بحر فلسطين المحتلة. لكن علامات استفهام عدة برزت في الحادثتين حول ظروفهما في حين
أنهما توجهتا مباشرة إلى كل من حزب الله في الأولى وإلى إيران في الثانية.
ما ادعت إسرائيل أنه عملية عسكرية كانت تحضر لها مجموعة مسلحة قالت إنها من
حزب الله وأنها أطلقت النار عليها فجرحت عنصرين منها، سرعان ما تكشف أن تفاصيلها مغايرة
تماماً لما روجت له الدولة العبرية منذ ساعات الصباح الباكر وسط استنفار لقواتها في
تلك المنطقة التي تتصاعد حساسيتها بعد حوادث عدة كان آخرها سقوط صاروخين على موقع الـ8200
التابع للاستخبارات العسكرية الصهيونية في جبل الشيخ على أهميته القصوى أمنياً وعسكرياً.
لكن وقائع ما وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه محاولة لزرع عبوات عند السياج الحدودي الشائك
في الجولان، لم يكن سوى اشتباك الجيش السوري مع مجموعة مسلحة حاولت الفرار باتجاه ذلك
الشريط الذي دون الوصول إليه حقل ألغام بعمق 500 متر يمنع حصول أية محاولة من هذا النوع،
في حين أن القوات الاسرائيلية في تلك المنطقة تركت بعض الممرات أمام من يريد اللجوء
إليها من المسلحين وصادف أنها بعيدة عن متناول تلك المجموعة التي تم إطلاق النار عليها
من الجهتين ما مكّن الجيش الاسرائيلي من التشبث بروايته.
ليس من شك في أن الاستخبارات الإسرائيلية حاولت استغلال الحادثة لتوظيفها ضمن
خططها الإستراتيجية في حربها المستمرة مع حزب الله لا سيما في الآونة الأخيرة التي
تشهد تصعيداً لافتاً بعد الغارة التي نفذتها طائراتها الحربية على موقع للحزب في جنتا
في شرق لبنان، في محاولة لإرسال رسائل عدة وما رد به الحزب عليها، كما الصاروخين اللذين
سقطا في جبل الشيخ وبقيا على «ذمة الغموض» من دون إعلان أية جهة مسؤوليتها عن إطلاقهما،
إلا أن حادثة الجولان أمس كشفت أن الإسرائيليين على درجة عالية من التوتر على خلفية
معلومات مؤكدة أن حزب الله بات قريباً من الرد ضمن «الحساب المفتوح» على الأقل منذ
القَسَم الشهير بـ»كسر الهاء» الذي أطلقه أمينه العام السيد حسن نصرالله بأن «دماء
عماد مغنية لن تذهب هدراً».
لا تبتعد على الأرجح رواية الكشف عن سفينة الأسلحة التي صادرها الجيش «الإسرائيلي»
أمس أيضاً وقال إنها انطلقت من إيران إلى بورسودان لتصل إلى قطاع غزة، عن هذا السياق.
فاتهام الجمهورية الإسلامية هو الهدف من هذه العملية بالدرجة الأولى لتسليط الضوء على
دورها المتنامي في المنطقة وتزامناً مع زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى
الولايات المتحدة الأميركية ضمن فعاليات مؤتمر «أيباك» الصهيوني، حيث لم يستطع الأخير
منذ زمن ممارسة الضغوطات اللازمة على الإدارة في واشنطن حيال إيران لا في ملفها النووي،
ولا لناحية تأثيرها في الأزمة السورية، أو التخفيف من حدة دعمها لحزب الله الذي تتنامى
باضطراد ترسانته الصاروخية التي تشكل ربما أكبر الأزمات الداهمة للدولة العبرية من
دون أي أفق لحلها، بعد إخفاق محاولتها العسكرية في عام 2006 وعدم قدرتها على حسم خيار
شن عدوان جديد بسبب فشل تقديراتها لحجم المواجهة نتيجة عجزها الإستخباري عن معرفة ما
بلغه حزب الله بدقة على مستوى التجهيز والإستعداد، وهو ما يقول الحزب أنه يفوق تصورها
في حين أن إسرائيل مقتنعة بذلك لأنها تعلم علم اليقين أن عمليات التزود بالأسلحة الإستراتيجية
لم تتوقف على رغم كل محاولات ذلك.
لم تستطع التطورات الإقليمية والحوادث الجارية منذ اكثر من ثلاث سنوات في دول
عدة لا سيما في لبنان وسورية حَرْفَ نظر حزب الله ومقاومته عن تركيزه على «إسرائيل»
وما يمكن أن تفعله مستغلة الظروف الحرجة التي تعيشها المنطقة. فقد استمر الحزب في رصد
جميع جوانب الفعل ورد الفعل الإسرائيلي على كل المستويات التي يضعها العدو في أولوياته،
وتحديداً أزمته مع إيران وسورية، فيما لم تتراجع قيد أنملة خططه لضرب الحزب ضربة قاضية
يتوقف عليها تغيير قواعد اللعبة تمهيداً لتغيير وجه المنطقة.
السؤال المطروح في ظل الظروف القائمة يدور حول ما إذا كان حزب الله قادراً على
مواجهة إسرائيل بينما هو منشغل في سورية ولبنان على حد سواء، كما سيفرض السؤال نفسه
عما إذا كانت إسرائيل ترى في الأوضاع القائمة فرصة للانقضاض على القوة التي عجزت عنها
في ما مضى، ليأتي الجواب أن الدولة العبرية باتت تعلم أن الحرب لم تعد محصورة بالحزب
وحده، وأنها هذه المرة ستكون في مواجهة كل محوره ناهيك عن أن الحزب بات جيشاً كامل
التجهيز بأرفع مستوى ممكن يتناسب مع تكتيكات جديدة يصفها البعض بـ»حرب العصابات»، لكن
هذا البعض يعلم أنها صارت مدرسة قتالية أُدخلت على عقيدة أكبر الجيوش في العالم.
مناورات «إسرائيل» الاستخبارية والعسكرية في الفترة الأخيرة فرضتها عوامل الفزع
من الرد المنتظر الحتمي، والذي لا يعلم حجمه ومكانه إلا الله والراسخون في أمن حزبه.
تعليقات