ظروف تشكيل الحكومة والاختبار الأول


ظروف تشكيل الحكومة والاختبار الأول
البناء 20 شباط 2014
محمد شمس الدين

استُقبلت الحكومة اللبنانية العتيدة بانفجارين استهدفا المستشارية الثقافية الإيرانية في جنوب بيروت. ربما لم يكن ذلك متوقعاً عند الذين تولوا حقائب الأمن، والدفاع، والعدل، على اعتبار أن المفجرين قد يعطونهم فرصة للتعبير عن أنفسهم في المواقع الجديدة، خصوصاً وأن وزير العدل طالب في أول اجتماع مع مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله برفع الحواجز الحزب من محيط عرسال والإبقاء على حواجز الجيش اللبناني الذي تم الاعتداء عليه أكثر من مرة في تلك البلدة، فيما انبرى وزير الداخلية إلى تحميل المسؤولية إلى الذين يسهّلون بحسب تعبيره عبور السيارات المفخخة في «بريتال» و»الشراونة» وغيرها.

كان واضحاً أن هذا الوزير فوجئ بضرورة المسارعة للنزول إلى الأرض ومواجهة هذا النوع من الحوادث في حين لم يكن بعد مهيأ لبرمجة خطابه بما يتلاءم مع مسؤوليته الجديدة بعيداً عن الحساسية المذهبية التي طبعت خطابه «الوطني» و»الإقليمي» هو وإبنه طيلة الفترة الماضية. إلا أن ذلك وإن سيتم تجاوزه من قبل الجهات السياسية في البلد حرصاً على خطوة الإجتماع في حكومة واحدة ضمن معايير صارت معروفة من قبل الجميع، فإن ذاكرة الناس ستبقى متقدة وقادرة على الربط بين الأمس واليوم.

لكنّ خطوة تشكيل الحكومة «الإئتلافية» تبقى هي الأهم لمواجهة ظاهرة الإرهاب «التكفيري» وغيره في إطار مؤسساتي وتحت مسؤولية الدولة اللبنانية التي لا بديل منها في هذه الأمور بغض النظر عن المزاج الشعبي الذي عبر في جزء منه عن عدم رضاه عن تلك التشكيلة وأحسّ أنه خسر من خلالها سياسياً ومعنوياً، في حين أن موافقة قوى 8 آذار عليها لا سيما حزب الله منهم، قد راعى أو استند بحسب الظاهر إلى ثلاثة أمور أساسية:

الأول: أن الدخول إلى حكومة «المصلحة الوطنية» قد تم من دون أي تنازل أو تحقيق أي شرط من الشروط التي كانت وضعت من أجل تحقيقها أو أية حكومة أخرى، لا سيما في موضوعي سلاح المقاومة أو انسحاب حزب الله من المشاركة في القتال في سورية، أو حتى الحدّ منه أو حصره في إطار معين كالدفاع عن المقامات الدينية الخاصة والعامة في سورية، وهو ما تم تجاوزه طيلة الفترة الماضية وانضوت مشاركة حزب الله في القتال هناك تحت شعار مكافحة الإرهاب، والدفاع عن المقاومة ومحور الممانعة في المنطقة برمتها، الأمر الذي لن يتغير شكله بحسب ما أكد عليه الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير في ذكرى «القادة الشهداء».

الثاني: أن تولي وزارات الداخلية، والدفاع، والعدل، من قبل الفريق الآخر، سيجعله في مواجهة مباشرة مع ما يحصل على الأرض من تفجيرات، وهو ما حصل بالفعل أمس، وسيضعه أمام اختبار جدي لتحقيق ما تمّ التعبير عنه في خطاب الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده في البيال في 14 شباط الجاري من أنه يرفض تنظيم «داعش» وفكره وأسلوبه، وهو ما يحتاج إلى آلية لا يمتلكها الحريري إلا من خلال أجهزة الدولة والمؤسسات التي «قاتل» من أجل الحصول عليها فيها. كما أن جماعات متشددة أخرى يمكن السيطرة عليها من قبل فريقه من خلال قطع تمويله عنها ووقف دعمها أو الإيعاز لها لتهدئة الأمور في المرحلة الحالية، إفساحاً في المجال أمام ما يجري التحضير له على مستوى المنطقة والذي يتمثل بما يبذل من جهود لإعادة بث الروح في العلاقات السعودية الإيرانية والتي من المنتظر أن تظهر نتائجها قريباً، في حين تشير مصادر سياسية إلى أن الحكومة اللبنانية بتشكيلتها الحالية هي الثمن الذي دُفع سلفاً من أجل تسهيل اللقاء بين الرياض وطهران.

الثالث: يتعلق بحزب الله مباشرة، وهو الثقة الكاملة بقدرته على قلب الطاولة رأساً على عقب في حال لم تجر الأمور كما هو متفق عليه أو يؤمل منه. ففي حين اتخذ الحزب بشخص أمينه العام السيد حسن نصرالله قراره في إعطاء الوزارات ذات «اليد الطولى» في البلد إلى من يراهم جمهوره غير مسؤولين ويشكلون خطراً عليهم إلى درجة ظلمهم، فإنه لن يترك هذا الجمهور تحت رحمة من يريد التشفي من أي شخص أو جهة أو ممارسة السلطة بطريقة غير قانونية أو مشكوك بأمرها. ولذا فإن مسؤولين في الحزب نفسه يرون أن «هؤلاء بتحالفاتهم قادرين على اتخاذ قرارات لها صفة 5 أيار 2008».. إلا أنهم يقولون أن «قوى 8 آذار ما زالت تملك ورقة 7 أيار للرد على أية محاولة لظلم الناس أو تعريض أي انجاز للخطر».


ما استندت إليه قوى 8 آذار في الموافقة على حكومة بهذا الشكل بعد الإنقسامات الاستراتيجية الحادة التي جرت، هو أيضاً، أن عمر الحكومة القصير سيمهد لإعادة انتاج مؤسسات الدولة الدستورية بدءاً برئاسة الجمهورية، وهو أمر أساسي للبلاد في المرحلة المقبلة في ظل التغيرات التي طرأت وممكن أن تطرأ انطلاقاً من سورية التي سيكون لها وحدها تحديد شكل المنطقة، وذلك من خلال ما ستؤول إليه الأمور في ميدانها، لا سيما بعد فشل «جنيف 2» وعودة الأمور إلى المربع الأول وسط انعطاف «سلبي» جديد دخل على سياق المحادثات الروسية الأميركية، ودائماً على خلفية الأزمة السورية واختلاف وجهات النظر بشكل كامل حول التعاطي معها وتحديد معالم هذه الدولة الأكثر إثارة للجدل في الشرق الأوسط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار