قضية سماحة وخيارات التوظيف


قضية سماحة وخيارات التوظيف
البناء/ 13 آب /2012
محمد شمس الدين  

لا تخلو العملية الأمنية التي نفذها فرع المعلومات على الوزير الأسبق ميشال سماحة من الشوائب، ككل العمليات التي نفذها ذاك الجهاز بشكل غير قانوني، كما يقول العديد من الأطراف المكونة للمجتمع السياسي في لبنان، عدا عن الطعن في الأصل القانوني أيضاً لمشروعية تأسيسه، لكن دخوله من جديد على خط الصراع السياسي – الأمني في ظلّ الظروف القائمة والمحيطة بعد كبوة استمرّت على الأقل منذ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري، وقيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي أوفى بتعهّداته عدم المسّ بالجهاز ورئيسه ومدير قوى الأمن الداخلي، أثار جدلاً واسعاً حول الأسلوب الذي تمّ الدخول فيه على بيت الوزير واقتحام غرفة نومه، في حين أن ذلك الجدل لم يكن سوى ردّ الفعل الأول على تلك العملية التي ظهر أنّ اهدافها تتجاوز حماية السلم الأهلي في لبنان.
ما سرّب من التحقيقات مع سماحة يفسح في المجال للقول إنّ تركيز الأسئلة حول الرئيس السوري بشار الاسد إنما يؤسس لمشكلة واسعة النطاق بين لبنان وسورية لا تنفصل عن الأهداف التي اسّس لها الجهاز نفسه الذي يتبع لرئيس الحكومة السابق، والذي كان له دور اساسي في التحقيقات حول حادثة اغتيال والده الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، وما انطوت عليه من اتهامات وجهت مباشرة للقيادة السورية في تلك الحقبة، لتشير تحقيقات اليوم مع سماحة الى أن الاستهداف ما زال قائماً وأن عملية استدراج مخطط لها بعناية استخباراتية فائقة الدقة جرت لإعادة تسليط الضوء على شخص الرئيس السوري وأجهزة الأمن السورية في قضية تتسم بالطابع الدولي عبر المحكمة التي خصصت لها في ظلّ ما يجري على الساحة السورية من حرب ضروس يخوضها العالم ضدّها، وسط إصرار على تقويض الدولة هناك بعد نجاحها في اجتياز اصعب المراحل خلال اكثر من 17 شهراً من المواجهات العسكرية والأمنية في الداخل وحملات سياسية عربية – غربية وضعت العالم من جديد أمام تشكيل محاور جديدة تنبئ بحروب واسعة النطاق.
وبغض النظر عن صحة الاعترافات التي قيل إنّ سماحة أدلى بها بانتظار استكمال التحقيقات التي بدأتها المحكمة العسكرية، حيث تمّت إحالة الوزير الموقوف بعد انتهاء فرع المعلومات من استجوابه والحصول على ما يريده قادته جراء ما نفذه من عملية امنية، إلا أن المتوقع الذي على ما يبدو كان فريق «المعلومات» السياسي ينتظره لم يجر على النحو الذي كان يتوخاه، فـ»القمصان السود» لم تعد الى الشارع، كما أن عملية توقيف شخصية محورية في العلاقة مع القيادة السورية بشخص رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك لم تفلح في جر البلد الى فتنة داخلية كان يأمل الفريق الآخر حدوثها تؤدي في الحد الأدنى الى فرط الحكومة الحالية التي تعتبر الهدف الأساس في هذه المرحلة لمن «يرعى» فرع المعلومات.
غير أن ما حدث سيفتح الباب على مصراعيه أمام عودة التوتر الى العلاقات اللبنانية - السورية التي تجرأ الكثيرون في الآونة الأخيرة على المسّ بها حتى لو أدى ذلك الى إغراق البلد في أتون المشاكل الأمنية وربما العسكرية التي من شأنها الإيقاع بالمقاومة في شرك الفتنة الداخلية، في حين أن اية مشاكل ممكن حدوثها على خلفية ملف قضية سماحة وما هو مرتقب من تداعياتها بعد محاولة التركيز على استهداف شخصيات سورية في مقدمتها الرئيس السوري، سيكون لها، ربما، من يخوضها خارج إطار المقاومة وسلاحها الذي يعتبر الهدف الأساسي للحرب التي فرضت عليها.
ان ما تؤشر له قضية سماحة أيضاً في المضمون الأمني هو أن حرب الإستخبارات التي كان بدأها رئيس الإستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان قبل توليه منصبه مؤخراً ستستعر ضد سورية، ولم يُستهدَف سماحة إلا لصلته وصداقته باللواء المملوك، مع الإشارة الى أن الوزير الأسبق ليس مستشاراً لدى الرئيس السوري كما يشاع أو يُسوَّق عن قصد، كما أنه لم يلتقه منذ سنة على الأقل، في حين أن الفرع الذي نفذ عملية التوقيف والذي تم تأسيسه على قاعدة عدم ثقة من أسسه بأجهزة الدولة، بزعم ارتباطها بأجهزة استخبارات خارجية والمقصود بذلك كان سورية، معلوم ارتباطه بالإستخبارات السعودية مباشرة التي استطاعت في فترة تشكيل حكومة ميقاتي أن تنتزع منه تعهده عدم المس بهذا الجهاز وبمواقع أمنية أخرى، إضافة الى ما يشكله ذلك من رافعة للرئيس سعد الحريري في المعادلتين الداخلية والخارجية.
قضية سماحة يمكن أن تبقى في إطار «بسيط» لا يخرج من دائرته القضائية إذا اكتفى ابطال العملية «السياسيون» بهذا القدر منها، وإلا فإنها ستتحول الى «كرة نار» في حال أرادوا إخراجها الى حيز التوظيف الدولي في محاربة سورية و...رئيسها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار